كلمة السيد رئيس الجمهورية مؤتمر حول دعم الاقتصاد الفلسطيني

كلمة السيد رئيس الجمهورية

مؤتمر حول دعم الاقتصاد الفلسطيني

من أجل إعادة إعمار غزة

شرم الشيخ – الاثنين 2 مارس/آذار 2009

السيد الرئيس مبارك،

السيد أمين عام الأمم المتحدة،

السيد الرئيس برلسكوني،

السيد الرئيس محمود عباس،

السيدات والسادة الوزراء،

أود أولا أن أتوجه بالتحية إلى الجهود الحثيثة التي يبذلها الرئيس مبارك، وهو رجل شجاع، ورجل ذو رؤية. يدعونا الرئيس مبارك – من خلال انعقاد هذا المؤتمر – إلى العودة إلى الأمل، الأمل في أن نفتتح معًا – من خلال عمل قوي وموحد يقوم به المجتمع الدولي – عهدًا من الاستقرار والرخاء والسلام. إن النقطة المشتركة التي يلتقي فيها جميع الحاضرين ههنا، هي أننا نريد السلام، نريد سلامًا دائمًا. إننا هنا من أجل مساعدة الشعب الفلسطيني ومن أجل رسم أفق سياسي.

أود أن أعرب مجددًا عن تضامن فرنسا التام مع الشعب الفلسطيني الذي عانى كثيرًا، مع كل الضحايا المدنيين الذين سقطوا جراء هذا الصراع غير المجدي. لقد حشدت كل من أوروبا وفرنسا جهودهما منذ الساعات الأولى لاندلاع الأزمة. وكانت أولى أولوياتنا – مع الرئيس مبارك - إنهاء القتال. ما من حل عسكري في غزة. لا يمكن أن يكون الحل عسكريًّا.

إن الوضع الإنساني مقلق للغاية. ولسوف تواصل فرنسا عملها بجانب شركائها للاستجابة إلى الحاجة الإنسانية الملحة. لم نترك قط السكان في غزة. ففي أثناء الأزمة، قمنا بإرسال تسع طائرات محمّلة بمساعدات عاجلة. وسنواصل تقديم المساعدة من خلال تمويل إعادة تأهيل مستشفى في غزة. كما إننا – سيدي الرئيس محمود عباس – سنقدم لكم دعمًا ماليًّا حتى تتمكنوا من تعويض أصحاب المنازل التي تهدمت في أثناء الصراع ومن الشروع في العودة بآلاف الفلسطينيين الذين حرموا من منازلهم إلى ظروف حياة طبيعية. وسنقدم مساعدة مباشرة للميزانية إلى السلطة الفلسطينية حتى تستمر في توفير – تحت أية ظروف – الخدمات العامة الأساسية وصرف رواتب موظفي الدولة الذين يعملون تحت سلطتها.

ويمثل فتح المعابر بصورة دائمة أولوية. لا ينبغي أن تكون غزة بعد الآن سجنًا تحت سماء مفتوحة. ليس لأحد مصلحة في هذا الوضع. إن فتح غزة يجب أن يواكب إغلاق الأنفاق. يجب أن تفتح إسرائيل المعابر حتى يتسنى دخول – من دون قيد بدءًا من اليوم – الاحتياجات الإنسانية، ثم جميع الاحتياجات اللازمة لحياة غزة.

وهذا، إنما يفترض إعادة خلق الثقة من خلال مكافحة أنواع التهريب كافة بعزم، وبوجه خاص تهريب الأسلحة. وفرنسا على أتم استعداد للإسهام في هذا الأمر. أما بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، فإن بإمكانه أن يعيد إطلاق بعثة المراقبة في رفح في خلال 48 ساعة. وإننا مستعدون – نحن الأوروبيين – للقيام بدور فيما يتعلق بالمعابر الأخرى لأن غزة لا يمكنها أن تعيش من خلال معبر رفح فقط.

وأود - في هذا المقام - الحديث عن العريف الفرنسي-الإسرائيلي جلعاد شاليط. إن جلعاد شاليط - بالنسبة إلى فرنسا – مواطن فرنسي ولن نقبل البتة أن تُعرض حياته للخطر. إن الإفراج عنه في مقابل الإفراج عن عدة مئات من الأسرى الفلسطينيين يعد أولوية. ويمكن إبرام اتفاق. يجب أن يتم الإفراج عن جلعاد شاليط في أقرب وقت.

سيدي الرئيس محمود عباس، إن فرنسا تقدم دعمًا تامًا للسلطة الفلسطينية التي تعد تصورًا مسبقًا للدولة الفلسطينية المستقبلية التي نتمناها من أعماق قلوبنا. إن الرئيس مبارك يعلم ذلك جيدًا، إن فرنسا ليس لديها سوى محادث واحد وهو رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس.

الكل يتذكر مؤتمر باريس من أجل الدولة الفلسطينية- وأشكركم عزيزي الرئيس كونكم قد ذّكرتم به- الذي استطعنا فيه حشد 7.7 مليار دولار على مدى ثلاثة أعوام لصالح الدولة الفلسطينية. وبفضل جهود السلطة الفلسطينية تم تنفيذ خطة طموحة للإصلاح والتنمية قوامها 3 مليارات دولار في عام 2008، مما يمثل نجاحاً ليس له مثيل من قبل.

إن إعادة إعمار غزة أمر أساسي، ولكن لا يجب نسيان الضفة الغربية. أود أن أقول، من جهة أخرى، أنه في الصراع الذي عايشناه، لقد كان للسلطة الفلسطينية فضلاً كبيراً بالحفاظ على الهدوء في الضفة الغربية. في الوقت في نحكم فيه على أفعال هذا وذاك، أود أن نتحلى بالصدق بأن نعترف بما حققته السلطة الفلسطينية، لاسيما فيما يتعلق بالضفة الغربية.

إنني سعيد أن أعلن اليوم عن الافتتاح القريب للمنطقة الصناعية الفرنسية-الفلسطينية في بيت لحم، وهي أول منطقة حرة ترى النور في الأراضي الفلسطينية. تعد هذه النتائج دليلاً على قدرة الفلسطينيين للاضطلاع بإدارة دولتهم المقبلة.

أخيراً، تعد المصالحة الفلسطينية أحد مفاتيح السلام وأحد شروط إنشاء دولة فلسطينية. إن العالم يريد مساعدة الفلسطينيين، بيد أن الفلسطينيين يجب أن يساعدوا أنفسهم بالتصالح فيما بينهم. وهناك مناقشات تتواصل حالياً في القاهرة بين كل الأطراف الفلسطينية. إننا نساند جهود مصر من أجل التوصل إلى حكومة وحدة وطنية فلسطينية. ينبغي على كل الفلسطينيين أن يتوحدوا ضمن حكومة الوحدة هذه وراء الرئيس عباس.

وأقول للدول التي لها روابط مع حماس : لديكم مسؤولية خاصة بمطالبة حماس باللحاق بالرئيس عباس في خطوة السلام التي يقوم بها والتي وحدها التي ستؤدي إلى نتائج. إذا ما كان كل طرف قد تحلى بالعقل، فلم نكن لنبذل كل هذه الطاقة بل وأيضاً كل هذه المعاناة. وأقول أخيراً لمجموع المسؤولين الفلسطينيين، ولاسيما لمسؤولي حماس : إذا ما أردتم أن يتم اعتباركم محاورين شرعيين، ينبغي أن تقروا بأنه ليس هناك أي طريق أخر نحو إقامة دولة فلسطينية إلا بانخراطكم بتصميم بالبحث عن حل سياسي وبالتالي بالحوار مع إسرائيل بناءً على مكتسبات المفاوضات السابقة.

إذا ما أردت حماس أن تُحترم، فيجب أن يكون لها موقف محترم. والموقف المحترم يكمن في الاعتقاد بأنه ليس هناك أي حل أخر إلا حل سياسي مع إسرائيل. نحن نجاهد من أجل دولة فلسطينية، ديمقراطية، قابلة للعيش وحديثة يتم إقامتها في التو. بيد إننا نجاهد أيضاً من أجل أن يعترف كل طرف نتحدث معه بحق إسرائيل في الأمن، وهو موقف عادل. إن الرئيس مبارك يتولى إنجاز أعماله متحلياً بنظرة رجل سلام.

السيدات والسادة،

في الختام، يجب أن يكون 2009 عام السلام.هناك إستراتيجيتان ممكنتان لا ثالث لهما : الأولى تكمن في الاعتبار أن الوقت يعمل لصالح السلام وأنه يجب بالتالي انتظار ظروف مواتية لإقرار هذا السلام. وأقول في التو إنني لا أؤمن بهذه الاستراتيجية. لقد انتظرنا طويلاً وبصورة مفرطة، وماذا ننتظر ؟ مزيد من الآلام ؟ مزيد من الضحايا ؟ مزيد من الكراهية ؟ أن الوقت لا يعمل لصالحنا، وإذا ما انتظرنا، فسنحدث تراجعاًٍ في فرص السلام. إنني مقتنع أن بقاء الوضع الراهن كما هو عليه أمر مقيت ؛ إن بقاء الوضع الراهن كما هو عليه يؤدي إلى تآكل سلطة القادة العرب المعتدلين ، إن بقاء الوضع الراهن كما هو عليه يعطى هامش للتحرك للمتطرفين ، إن بقاء الوضع الراهن كما هو عليه يغذي الإرهاب، إن بقاء الوضع الراهن كما هو عليه لا يعمل إلا لصالح المتطرفين.

لقد حان الوقت لتعجيل الأجندات وكسر وتيرة العادات والتغلب على مشاعر التخوف من أجل تسوية صراع، أعلن هنا في شرم الشيخ، أنه ليس صراع إقليمي، ولكن صراع عالمي فيما يتعلق بنتائجه. إنني أتمنى أن يتم، ابتداءً من هذا الربيع، عقد قمة في أوروبا لإعادة إطلاق السلام في مساراته الثلاثة من أجل تسوية الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. يجب تشجيع الأطراف على تحديد جدول زمني يؤدي، قبل نهاية هذا العام، إلى توقيع اتفاق وإنشاء دولة فلسطينية قابلة للعيش وديمقراطية وحديثة، دولة تعيش في سلام جنباً إلى جنب مع إسرائيل.

نحن نعلم معطيات لهذا الاتفاق. وخلال عشرة أعوام، إذا لم ننجز شيء، فإن هذه المعطيات ستكون موجودة دائماً على الطاولة، ولن يتغير شيئاً، إلا أنه سيكون هناك مزيد من الكراهية في المنطقة وستقل فرص السلام مما هي عليه الآن. فماذا ننتظر إذن ؟ أن يكون لدينا حكومة تعجبنا ؟ أن يكون هناك أناس عقلاء ؟ إذن انتظروا مزيداً من الوقت، وسيكون هناك تراجع الأناس العقلاء.

إن العقل والحذر هو أن نقرر عقد مؤتمر سلام قبل نهاية العام وأن نعمل جميعاً من أجل عقده وأن نجعله أمراً واجب الاقتضاء وأن نفرضه، لأن الفلسطينيين لهم حق في دولة، وأخيراً، لأن إسرائيل لها الحق بالأمن أيضاً، ولأن السلطة الفلسطينية يجب أن تصبح حكومة وحدة وطنية.

السيدات والسادة، كل هذا الأمر لا يكمن إلا في التحلي بالإرادة. هل نريد أن نجتمع من أجل أن نتبادل الحديث وأن لا يجدي ذلك أي نفع ؟ أم هل نريد أن نجازف من أجل السلام ؟ سيقال لي "نعم، ولكن الظروف لم تتوافر بعد". ولكن إذا ما انتظرنا أن تتوافر الظروف لكي نجتمع من أجل إقامة السلام، فسننتظر طويلاً ؛ وإذا ما انتظرتم أن تتوافر الظروف، فإنكم تعطون قدرة هائلة لمن هم الأكثر تشدداً. إذا ما قررتم أن الظروف قد توافرت، على الرغم من كل الصعوبات، فإنكم تعطون سلطة للمعتدلين وللأناس العقلاء وللأناس الذين يتحلون بالمسؤولية.

فلنجعل 2009 عام السلام. إنه واجب كل منا، واسمحوا لي أن أقول لكم، أنه ليس فقط واجب سياسي، إنه واجب أخلاقي. إنه واجب تجاه ذكرى كل من ماتوا في هذا الصراع المأسوي. إنه واجب تجاه كل شعوب الشرق الأوسط. إنه واجب تجاه الإنسانية جمعاء التي من الممكن أن لا تنهض من جراء صراع بين الشرق والغرب. فلنجعل من عام 2009 عام التحلي بالإرادة وإذن عام السلام.

أشكركم.

publié le 23/06/2009

haut de la page